العفّة ليست كما يتصورها المتفلتون تقييدًا وكبتًا.. وإنما اعتزازًا بالكرامة الإنسانية التي تأبى أن تسفل إلى دركات الحيوان.. إنها فهمً...
العفّة ليست كما يتصورها المتفلتون تقييدًا وكبتًا.. وإنما اعتزازًا بالكرامة الإنسانية التي تأبى أن تسفل إلى دركات الحيوان..
إنها فهمًا صحيحًا للإنسان.. روح وجسد وعقل، فلا يسعد الإنسان إلا بسعادة مكوناته الثلاثة، فانسياقه وراء مطالب الجسد وتلبيته لها بكل وسيلة وإن كانت تدمر روحه وتبدد عقله وتُفسد دينه– هذا الانسياق سيزيده غمًا ولن يُشعره أبدًا بالرضا.
العفّة صفة ملازمة لمن يحترم نفسه – رجلًا كان أو امرأة-فلا يقبل أن يهين جسده الذي كرمه الله، ولا أن يعرض رغباته على الملأ، تأبى الحرّة أن تكون الشهوة تجارة أو تسلية، وتأبى أن تحصر اللذة في حدود الجسد كما يفعل الحيوان، فاللذة الحقيقية هي إشباع الشهوة في ظل السكن الزوجي، في ظل المودة والرحمة.. إنها لذة قوامها العاطفة الراقية، والمشاركة في الحياة بأسرها وليس في لحظات مختَلَسة آثمة ترهق القلب، وتُثقل الروح.
وبداية العفة أيتها الفتاة الكريمة.. من العقل الذي يتصل بربه، ويدير حياة صاحبه فلا يتركه فريسة للنزعات والفراغ.. ولأن الدنيا اختبار فإن النار محفوفة بالشهوات، لذا فقد حمانا ديننا من السقوط والسفول بأمور كثيرة، على رأسها: الذكر.. وأعظم الذكر الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فعندما تسمو الروح لا تقوى عليها الرغبات الدنيّة.. ومنها أيضا: غض البصر.. والبعد عن أصدقاء السوء.. والانشغال بما ينفع...
ونتطرق في هذا المقال للحديث عن العادة السيئة، بين يديكِ خطوات عملية للوقاية والعلاج..
ولنتأمل أولا أسلوب غواية الشيطان.. إنه يحاول فتح جميع أبواب تأجيج الشهوة أمام الإنسان، ويدفعه دفعا بالتزيين والتهوين من العاقبة حتى يلج هذه الأبواب، فمن إطلاق للبصر، وسماع للمحرمات، إلى اختلاط وتنازلات، وقبل ذلك كله ومعه إفساد للخواطر والخيالات التي هي بمثابة وقود القلب وقوته.
فهو ييسر المعصية قبل حدوثها، وربما يفسح للإنسان باب التمنى للمغفرة والرحمة، حتى إذا زلت القدم سارع بحبس العاصي في سجن من الشعور بالذنب والدونية واليأس الذي يبعده كثيرا عن ربه.
ولمواجهة هذا الأسلوب الإبليسي اللعين، علينا أن نستخدم أسلوبا يضاده، وذلك بعد الاستعانة بالله وكثرة الدعاء والإلحاح على الله بصدق: "اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين".
أولا : قبل الزلل
وهذه هي الحالة الأصلية التي ينبغي أن يكون العبد عليها، وأن تكون المعصية هي الاستثناء.
وهنا يجب أن تتبعي عددا من الخطوات أذكرها باختصار:
1- الفرار الدائم إلى الله، والإقبال على طاعته وذكره.
2- تقوية العقل وتغذيته بالعلم النافع، والتفكر والتدبر، لأنه إذا قوي العقل ضعف سلطان الشهوة.
3- الحرص على بوابة العين، لأنها من أخطر المنافذ التي تضعف القلب، وتحرك الشهوة وتؤججها، فغض البصر يريح القلب من معارك كثيرة ويجعله نقيا تقيا على الدوام.
4- حراسة الخواطر.. وهذا الأمر على قدر كبير من الأهمية والخطورة، وقد فصل العلامة ابن القيم – رحمه الله- الحديث عن هذا الأمر في كتابه الماتع ( طريق الهجرتين وباب السعادتين).
فالخواطر هي الخيالات والأفكار الذهنية التي يتصورها المرء، والتي منها ما يعرف بـ( أحلام اليقظة) التي تبتلى بها الكثير من الفتيات وبخاصة في سن المراهقة، فإذا كانت هذه الخواطر رديئة فإنها تدفع الإنسان بهذا الاتجاه، وإذا لم يستطع لدينه أو ظروفه الاجتماعية أن يحققها فعلا، زاد منها في خياله وهنا تكون "العادة السيئة" والإدمان عليها هو التفريغ المتاح لهذه الخواطر.
وأما إذا كانت الخواطر جيدة فإنها ترقى بالإنسان نحو المعالي، بل وتيسر الطاعات والعبادات عليه.
يقول ابن القيم – رحمه الله -:"الخواطر بمنزلة الحَب الذي يلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر".
ويضيف: "لا يجعل المرء حفظ الخواطر هو المقصود، بل لا يتم ذلك إلا بأن يجعل موضعها خواطر الإيمان والمحبة والإنابة والتوكل والخشية، فيفرغ قلبه من تلك الخواطر ويعمره بأضدادها".
5- اسم هذه العادة القبيحة ينبئ عنها، فهي سرية لا توجد إلا في الغرف المغلقة، والأماكن المظلمة، فهي تنفر من الضوء، وتفر من الصحبة الطيبة، وتخنقها الأجواء المفتوحة المشمسة.
فهيا أخيتي لا تدعي في حياتك مكانا للظلمة والانغلاق، افتحي أبوابا اجتماعية طيبة، واجعلي للصحبة الصالحة نصيبا جيدا، واملئي فراغك بالعمل، واجعلي يومك متنوعا بين عبادة وعلم، بين ترفيه مباح أو ممارسة رياضة بالضوابط الشرعية، واختلاط نافع بالأهل والصديقات، ونحو ذلك من الأنشطة والأعمال الاجتماعية المثمرة.
6- متى كانت حياتك ملأى نشطة فلن تدخلي إلى الفراش كي تنامي إلا وأنت في غاية التعب، فلا تكادي تتمين الأذكار حتى تكوني قد نمت بالفعل، وهذا من أهم الأمور لمحاربة العادة السيئة والخواطر القبيحة، ألا تدخلي إلى الفراش إلا وقد غالبك النوم وغلبك.
وأما بعد الزلل:
فلتكن خطتك أنه إذا زللت – عافاك الله- أن تتبعي السيئة الحسنة لتمحها بإذن الله تعالى، فلا تتواني عن التكفير، عبر أعمال وطاعات عديدة ومختلفة، فعلى سبيل المثال: تقومين الليل بجزء من القرآن، وتصومين 3 أيام، وتتصدقين، أو غير ذلك من الأعمال.
فإذا وجد الشيطان منك ذلك، ورأى أن معصية واحدة قد تدفعك للقيام بعشرة طاعات، نفض يديه منك.
قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}.هود:114.
رسالة المراة
ليست هناك تعليقات