Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

آخر موضوعاتنا

latest

الزوجة الفاضلة : دور الأب جوهري

الكثير من الآباء والشباب ينظرون إلى العلاقات الأسرية على أنّها حمل وعبء، وأنّ العلاقات الزوجية هي حقوق وواجبات. فنحن نقول لهم: &qu...




الكثير من الآباء والشباب ينظرون إلى العلاقات الأسرية على أنّها حمل وعبء، وأنّ العلاقات الزوجية هي حقوق وواجبات. فنحن نقول لهم: "لا. انتبهوا.. فالأمر ليس كذلك، فالأصل فيها أنّ الله قد خلقها جَنّة للاستمتاع والسعادة. فالواجبات والحقوق ليست الزاوية الوحيدة التي ننظر من خلالها، بل هناك زاوية أخرى، وهي النظر إلى هذه الأمور على أنها نعمة وسعادة وفرحة. فدوركَ أيها الأب مهم جدّاً، وهو ليس مسؤولية الأُم فقط. أنت يا أب أكثر شخص قادر على إعادة الترابُط للأسرة. وهناك ثلاثة محاور وأسباب تجعلك تلغي توكيل، إنّ عملك في البيت هو مُموّل وأنّ الأُم عملها التربية، وهذه المحاور والأسباب هي:

·      أوّلاً: احتياج ابنك إليك. فالدراسات في الماضي كانت تقول، إنّ السبب الأساسي في دخول الأطفال مؤسّسات الأحداث المنحرفين (الذين يرتكبون الجرائم). السبب فيه هو شعورهم بالاضطهاد والظلم من المجتمع. ولكن العلم الحديث أثبت العكس. فالسبب الأساسي هو غياب الأب. هناك شخص يعمل في الرعاية الاجتماعية في السجون، يحكي أنّه قد عمل في السجون لمدة 25 سنة، قابل فيها آلاف المسجونين، لم يجد فيهم مَن يقول له إنّه يحب أباه.
إنّ بداية الانهيار والانحراف هي في الأغلب تكون بسبب غياب الأب. إنّ ابنك وابنتك في حاجة إليك.
لقد قرأتُ قصة عجيبة جدّاً: "لقد كان هناك أب عنده ولد وبنت. عندما أنجب الولد لم تكون مشاغله كثيرة، فكان يجد وقتاً للخروج معه والسفر والاهتمام به، ولكن بعد أن أنجب البنت كان قد انشغل في عمله بشدّة، فشعرت البنت التي في سن الرابعة، بأنّ أخاها أهم منها عند أبيها. يحكي الرجل، أنّ زوجته ظلّت تُلحّ عليه أن يأخذ ابنته لينزّهها وأن يهتم بها، وأنها تفتقد حنانه، فيقول لها: "أنت مصدَر الحنان وليس أنا". يقول الرجل: من كثرة إلحاح زوجتي، خرجت مع ابنتي لتناول طعام الفطور خارج المنزل، لكي ينتهي الأمر وأتابع ما ورائي من مهام. وبينما أنا أجلس معها في المطعم، تحرَّكت عواطفي، فهي ابنتي. وأثناء وضعي الشوكة في قطعة الكيك التي أمامي قلت لها: على فكرة يا منى، أنا أحبّك جدّاً، وبدأتُ أمد يدي للطعام لآكل، فأمسكت يدي وقالت لي: كمان يا بابا كمان، ففوجئتُ وارتَبكت يدي. لقد أمسكت ابنتي يدي لكي أتكلم، وشعرتُ حينها بأنها هي الكبيرة وأنا الصغير، واكتشفت أنها مُدْرِكة كلّ شيء. وأنا الذي لا أفهم شيئاً. فقلت لها: أنا لا أستطيع الاستغناء عنك وأحبك، ثمّ قبّلتها". إنها فتاة بريئة تُعبّر عمّا بداخلها. أمّا الفتاة في الخامسة عشرة فلن تقول لك: كمان يا بابا كمان، بل ستختفي، وأنت المسؤول. وبعد ذلك ستحزن وتقول: لم يكن عندي وقت، فتضطر عندما يقع ابنك أو ابنتك في مصيبة، أن تعطي وقتاً أكبر من الوقت الذي كان من المفترَض أن تعطيه، فأنت حتى لم تحسب الأمر على طريقة الإدارة، لأنّه أصبح مطلوباً منك أن تعطي وقتاً غير طبيعي، وأنت أصبحت في مأساة.
نحنُ لا نتخيّل أحياناً، يا آباء، أنّ أبناءنا محتاجون إلينا، والأبناء مُدركون أنهم في حاجة إلينا أكثر ممّا نتخيّل نحنُ.

·      ثانياً: أنت تحرم نفسك من أحلى شيء في الدنيا وألَذّ نعمة في الدنيا. لقد كان النبي (ص) جالساً، وجاء الحسن والحسين (ع)، فمنهما مَن يطلَع على كتفه، ومَن يتعلّق ببطنه، ومَن يقفز عليه، ومَن يتعلّق في رقبته، فاستغرب الصحابة هذا الأمر، فقالوا: "ما كلّ هذا يا رسول الله، أتحبّهما  كلّ ذلك؟". قال: "كيف لا؟ وهم رَيْحانتي من الدنيا". أي هُم رزقي من الدنيا.
سأحكي لكُم قصة كما قرأتها في أحد الكتب: أنجب الأب ابناً معوقاً سَمّاهُ آدم، وقد كان عنده ثلاثة أولاده غيره، وهذا الطفل أصغرهم. وقد كانت عضلات فمه لا تتحرك إلا بصعوبة، وذهنه لا يتقدم إلا بصعوبة، ولكن جسده يتحرك. يقول الأب إنّه قد كره نفسه والحياة، وتمنّى موته. ويكفيه الثلاثة الآخرون. فمتى يموت؟ وبدأ بتجنّبه ويُركّز على أبنائه الآخرين. يُقسم الأب ويقول: بدأنا نُعالجه، وفي مرّة أخذت الأبناء الأربعة وذهبنا لشراء بعض الحلوى. فالثلاثة الكبار اشتروا الحلوى والصغير أخذ وردة، فهو لا يفهم لأنّه مُعاق. فقلت له: يا حبيبي هذه لا تُؤكَل. اذهب وخُذ حلوى. فرجع وأحضر وردة موجودة في المحل، فأخذتها من يده ووضعتها في مكانها، فعاد وأحضرها. فاستسلمت للأمر، ودفعت الحساب، وعدت إلى المنزل ودخلت سرسري، ونام الأولاد الثلاثة. وإذا به يدخل عليَّ وقد وضع الوردة في مَزهريّة، ولا يستطيع أن يقول لي "تفضّل" لأن لسانه لا يتحرك، ويعطيها لي. يقول الأب كالتالي: أحسستُ يومها بأنني أب. شعرت بأنّه يعتذر لي عن كلّ الآلام التي سبّبها لي، وبأنّه يقول لي: أنا أحبّك على الرغم من عَجْزي. ومَشَى وتركني. لقد كانت هذه لحظة ميلادي الجديدة. لقد خرجت من عالم كنت أعتقد فيه أنّ معنى الرجولة هو الإنجازات والتباهي والتنافس، إلى عالم جديد قائم على الحب والسعادة، عالم يكون فيه أساتذة الجامعة هُم مَن يعانون بطء التعلُّم، والأطفال المعاقون هم الأساتذة البارعين في تعليمهم الحب والسعادة. يقول: أنا أحاول الآن أن أتعلّم من آدم. وجدتُ أنّ آدم معي منذ أربع سنوات، ولكني حرمت نفسي من التمتع بحبه لمدة أربع سنوات، سأحاول أن أتعلّم على الرغم من أنني بطيء التعلّم، ولكنني واثق بأنّ آدم سيساعدنا على فهم عالم الحب والعاطفة.

·      ثالثاً: المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى. يقول النبيّ (ص): "كلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيّته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّتها". سوف تَشْقَى وتتعب، ولكن هذه هي القوامة.. لها متطلبات. وكلمة راع جاءت من راعي الغنم على غنمه. يقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...) (التحريم/ 6). وإذا كان الشعور بالمسؤولية سوف يُغضبك. فاتركه لننظر إلى الثواب كم هو كبير. ثوابك أن تُربّى ابنك عند الله. انظُر إلى هذا الحديث العظيم عن جابر بن سمرة يقول: "لئن يُؤدّب الرجل ولده خير عند الله من أن يتصدّق بصاع". وحديث آخر ربما لم نسمعه من قبل. يقول النبي (ص): "إذا نظر الوالد إلى ولده فَسَرَّهُ، كان للوالد عتق نسمة". أي عندما تُعجبه أخلاقه وتصرفاته وعبادته، فكأنّه أعَتق رَقَبَة، وعِتْق الرقبة (أي 4000 درهم في وقتهم)، لأنّه تربيتك وغَرْسك. ألا يقول النبيّ (ص): "ما من مسلم يغرس غرساً فيأكل منه طير أو بهيمة أو إنسان إلا كان له صَدقة وأجر عند الله". فأنت قد غرست في المجتمع رجلاً، أو فتاةً كلها عاطفة وحنان وأنوثة. غرست شخصاً يده نظيفة، لا يأكل من حرام. فأنت إذا ربّيت أبنك تدخُل الجنّة، وضمنت مفتاحاً من مفاتيحها". قلنا يا رسول الله: فإنْ نَظَر إليه في اليوم مئة مرة، قال: "الله أكبر"، لأنّه مادامَت تصرفاته تُعجبك، فَحَصّالة الثواب مستمرة.
يقول النبيّ (ص): "مَن تَصَدّق بعدل تمرة من كسب طيّب والله لا يقبّل إلا طيّباً، فإنّ الله يُربّيها لصاحبها  كما يُربّي أحدكُم فلوه (كما تُربّي المهر حتى يصبح حصاناً  كبيراً) حتى تَلقَى الله يوم القيامة واللقمة كجبل أحد". هذا في اللقمة، فماذا عن ابنك عندما تُقدّمه للمجتمع؟ فماذا تأخذ يوم القيامة؟
إنّ الأب والأُم هما مجدافا التربية. إنّ سيدنا يوسف يقول: (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف/ 4).. الكواكب هم إخوته. وفي نهاية القصة عرف أن أباه وأمه هما الشمس والقمر، وهذا مراد الله. فلا يكفي القمر وحده، ولا يمكن أن تعيش به وحده، ولا بالشمس وحدها. نحن لسنا في مشاجرة لمعرفة مَن أفضل، الرجال أم النساء؟ فأبناؤكم يحتاجون إلى الشمس والقمر، وأنتُم الشمس والقمر لأولادكم.
يقول النبي (ص): "مَن كانت له ثلاث بنات فيُؤدّبهنّ ويرحمهنّ ويكفلهنّ، وَجَبَت له الجنة البَتّة (مُؤكَّد). قلنا: وإن كانتا اثنتين يا رسول الله؟ قال: وإن كانتا اثنتين، قلنا: والله لو سألناهُ وإن كانت واحدة لقال، ولكننا استحيينا". وأيضاً يقول (ص): "مَن كانت له ابنة فيُحسن إليها ويسبغ عليها من النّعَم التي أسبغها الله عليه، كانت له مَيْمَنة ومَيْسرة، تُحجبه عن النار إلى الجنّة". فماذا تُريدون أكثر من ذلك؟
هيّا أيّها الأب.. اقطع التوكيل وقُل للأُم: أنا عائد إلى العمل معك، وسنربّي أبناءنا معاً، وسوف أقوم بعملي. وهذه هي القِوامة المطلوبة.
*د. عمرو خالد
البلاغ 

ليست هناك تعليقات