تمضي بها الأيام كالأمواج، تلقيها موجة في قلب موجة، لا تجد لحظة واحدة لالتقاط الأنفاس، لا تستطيع أن تخلو إلى ذاتها ولو دقائق معدودة من ...
تمضي بها الأيام كالأمواج، تلقيها موجة في قلب موجة، لا تجد لحظة واحدة لالتقاط الأنفاس، لا تستطيع أن تخلو إلى ذاتها ولو دقائق معدودة من يومها المثقل بالأعباء.
حتى عندما تخلد إلى فراشها لتنال قسطًا من الروح وتبدأ الأفكار تداعب خيالها في هدوء لا تستطيع أن تتشبث بأي فكرة منها حيث تسقط غارقة في بحر النوم بسبب الإرهاق والكدّ والإنهاك الذي تعاني منه.
أحياناً تحاول الخروج إلى شرفة منزلها وتجلس على مقعدها الوثير المريح تحاول أن ترنو بعينيها إلى السماء الصافية تبحث في صفحتها عن معنى الاتساع تتمنى في هذه اللحظات لو كانت طائرًا مثل تلك الطيور التي تتمايل بأجنحتها يمنة ويسرة وتهبط كثيراً ثم تعود فجأة لتحلق.
لا تكاد تشعر بأن روحها تنساب منها لتمتزج بالسماء إلا وتستمتع أصوات صارخة تنادي عليها وأصوات أخرى تؤكد لها أن كارثة ما قد وقعت في مطبخها.
تحاول أن تصر على تجاهل هذه الأصوات والنداءات والصرخات.. تغمض عينيها تغوص أكثر وأكثر في مشهد السماء المرتسم في وجدانها بعد أن كانت عيناها تسبحان في أجوائه، تزداد أصوات الصرخات وترتفع حدتها تدريجيًا، وتصر هي أكثر على إغلاق عينها والسفر بعيدًا بعيدًا بخيالها.
تتذكر عندما كانت طفلة حالمة هانئة لا تحمل أي مسؤولية ولا تشغل بالها بأي هموم، تتذكر كيف كانت لا تعرف من الدنيا سوى الضحكات والابتسامات والأفراح المتتابعة، كيف كانت تخرج من متعة إلى أخرى وكيف كانت تعيش أيامها أشبه بالأميرة المدللة خاصة في ظل عاطفة والدها الجياشة.
وبينما يتسلل شبح الابتسامة إلى شفتيها وهي تستعيد ذكريات تدليل والدها لها لحظة بلحظة وساعة بساعة ويوماً بيوم، إذا بيد ثقيلة توضع على كتفيها فتضطر لفتح عينيها فجأة وترى أمامها شخصًا.. نعم إنه رجل من هذا الرجل؟ ولماذا ينظر إليها بعينين مليئتين بالغضب هكذا؟
من أنت أيها السيد؟ نظرات عينيه تقول إنه غاضب بل إنه يكاد أن ينفجر بين لحظة وأخرى.. إن يديه تنتقل من كتفيها إلى يديها .. والآن هي تتعرض لعملية شدّ قوية تنتزعها من فوق المقعد الوثير انتزاعًا .. هذا الرجل يصرخ بصوت بشع في أذنيها.. يقول لها إن لديها أطفالاً يتسببون في مشكلات داخل هذا المنزل، ثم يؤكد لها أن قدح القهوة الذي طلبه منها منذ خمسة دقائق لم يتجهز حتى الآن.
الآن تذكرت من صاحب هذه الملامح الغاضبة الحاقدة؟ إنه الشخص الذي ارتبطت به في يوم من الأيام لتعيش معه أجواء الهناءة والاستقرار وتبني معه أسرة لطيفة جميلة صغيرة تعرف للسعادة طريقًا وتبني فرحتها يومًا بعد يوم.
الآن دخلت من الشرفة وأصبحت في قلب أجواء المعركة تتفقد الخسائر التي حدثت خلال غيابها لمدة دقائق معدودة في الشرفة.. تذرف عيونها دمعة ساخنة لا يراها أحد.. لكن من حسن الحظ أن هذا الرجل رأى الدمعة.. نعم رآها ورقَّ لها قلبه إنه يمسحها بيديه بحنو وعطف.. ويقول بصوت خفيض : (لا تحزني سأشتري لك زجاجًا جديدًا لنافذة المطبخ بدلاً من ذلك الذي كسره هذا الطفل أثناء لعبه بالكرة الآن).
ليست هناك تعليقات