Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

آخر موضوعاتنا

latest

هل أمكن زوجي العاصي من نفسي؟

السؤال : أنا متزوِّجة، ومشكلتي أنني أُعاني مِن زوجي ومِن بُعْدِه عن الله؛ هو طيِّبٌ، وأخلاقُه حسنةٌ، إلا أنه مُقَصِّرٌ في الصلاة، أحيا...




السؤال:
أنا متزوِّجة، ومشكلتي أنني أُعاني مِن زوجي ومِن بُعْدِه عن الله؛ هو طيِّبٌ، وأخلاقُه حسنةٌ، إلا أنه مُقَصِّرٌ في الصلاة، أحيانًا يُصلي فرضين، ويترُك ثلاثة، ويُصلي ثلاثة، ويترك اثنين؛ فهو متهاوِنٌ في الصلاة، وكذلك مُدَخِّنٌ، ويتعاطى القات، وكذلك مُدمن إنترنت، ولا أدري ماذا يفعل طول الليل؟ فقد عرفتُ عنه أنه يستخدم الدردشة، ويدخُل على المواقع الإباحية.
حدثتُه كثيرًا عن حُرمة ما يفعل، فيعتذر ويَعِدُني أن يتغيَّر، ولا يلبث إلا قليلًا ثم يعود لما كان، أَكْرَه مُعاشَرته بسبب ترْكِ الصلاة، وأخاف مِن عقاب الله، وكذلك رائحة الدخان قد نفَّرَتْني منه كثيرًا.
نقضي جُلَّ أوقاتنا في خِصامٍ، وأتجاهل فراشه لعله يتوب! لكن لا حياة لِمَنْ تنادي، أهلي لا يعرفون هذه التفاصيل، وأخفي عليهم الكثير؛ لعل الله أن يُصْلِحَ حاله!
 
فهل أُمَكِّنهُ مِنْ نفسي وهو عاصٍ؟ وهل أبقى معه أو أطلب الطلاق؟

الإجابة: من فضيلة الشيخ  : خالد عبد المنعم الرفاعي
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فأسأل اللهَ أن يُهَوِّنَ عليك، ويصلحَ زوجك -أيتها الأخت الكريمة- فقد ذكرتِ أخطاءً، وانحرافاتٍ كثيرةً في زوجك، توجب الاعتناء بتقويمها وعلاجها، ولن يكونَ هذا مُجْديًا إلا بالتركيز على تقوية إيمان زوجك، وإصلاح قلبه، والحِرص على تقوية صلته باللهِ تعالى بالإكثار مِن الحديث عن خشية اللهِ تعالى، والرغبة فيما عنده، واستشعار مراقبته، والحديث عن الآخرة، والقبر، والجنة، والنار؛ فقد روى البخاريُّ عن عائشةَ -رضي الله عنها- أنها قالتْ: ''إنما نزل أول ما نزل منه سورةٌ مِن المُفَصَّل، فيها ذِكْر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزَل الحلال والحرام، ولو نزَل أول شيءٍ: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندَع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزْنوا، لقالوا: لا ندَعُ الزِّنا أبدًا''.
وفي الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا وإنَّ في الجسد مضغةً، إذا صلحتْ صلح الجسدُ كله، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» ".
وجاهِدي معه للمُواظَبة على الصلاة، وأعْلِميه أنَّ أمر الصلاة في الإسلام عظيمٌ عند الله تعالى، ومكانتها كبيرةٌ، وأنها أول ما يُنْظَر فيه مِن أعمال المسلم يوم القيامة؛ فإنْ حافَظَ عليها فازَ وربح، وإن ضيَّعَها خاب وخسِر، وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] ، وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، وقال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
وقد أجْمَع أصحابُ رسول الله على أنَّ مَن ترَك صلاةً حتى يخرجَ وقتها بالكلية فهو كافرٌ؛ واستدلوا بحديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر ترْك الصلاة»، (رواه الجماعةُ إلا البخاري والنسائي)، ومِن حديث أم أيمن: «مَن ترَك الصلاة متعمِّدًا، برئتْ منه ذمةُ الله ورسوله» (رواه أحمد مرفوعًا).
ومنها: ما رواه أصحاب السنَن، وابن حبَّان في صحيحه، والحاكم، مِن حديث بريدة بن الحصين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمَن ترَكها، فقد كفَر»؛ (وقال الترمذي حسَن صحيح).
وعن معاذ بن جبل، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد» (رواه أحمدُ وغيرُه)، قال ابن تيميَّة في ''شرح العمدة '': ''ومتى وقع عمود الفسطاط، وقع جميعه، ولم ينتفع به''؛ أي: عندما يسقط عمود الخيمة، تسقط الخيمةُ كلها.
وعن بريدة، قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن ترَك صلاة العصر، فقد حبط عملُه» (رواه البخاري) ، وحبوط العمل لا يكون إلا بالكفر الأكبر، المُخْرِج مِن الملَّة؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
وعن عبد الله بن عمرٍو، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكَر الصلاة يومًا فقال: «مَن حافظ عليها كانتْ له نورًا، وبرهانًا، ونجاةً يوم القيامة، ومَن لم يحافظْ عليها، لم يكنْ له نورٌ، ولا برهانٌ، ولا نجاةٌ، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأُبَي بن خلفٍ» (رواه أحمدُ والدارميُّ والبيهقيُّ في الشُّعَب)، وهؤلاء هم أئمة الكفر والضلال؛ عياذًا بالله.
قال الإمام ابن القيِّم -تعليقًا على هذا الحديث-: ''فمَن شغلته عن الصلاة رياستُه؛ حُشِر مع فرعون، ومَن شغلتْه عن الصلاة وزارتُه؛ حُشِر مع هامان، ومَن شغلتْه عن الصلاة أموالُه؛ حُشِر مع قارون، ومَن شغلتْه عن الصلاة إدارةُ تجارته وأعماله؛ حُشِر مع أُبَيِّ بن خلَف.
ولا شك أن المُواظَبة على الصلاة هي عنوان الفلاح في الدنيا والآخرة، وقد وصَف الله الأخيار بأنهم: {عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 23]، وَوَصَفَهم بأنهم: {عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9].
وقد كتَب عمرُ -رضي الله عنه- إلى الولاة على الأقاليم بخصوص المحافظة على الصلاة؛ فقال: ''إِنَّ أهَمَّ أموركم عندي الصلاة، فمَن حافَظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومَن ضيَّعها فهو لما سواها أضْيَع''.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "مَن ترَك الصلاة، فقد كفَر"؛ (رواه المروزي في تعظيم قدْر الصلاة، والمنذري في الترغيب والترهيب)، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "مَن لم يُصَلّ، فهو كافرٌ"؛ (رواه ابن عبد البر في التمهيد، والمنذري في الترغيب والترهيب).
قال الإمام أبو محمد بن حزم في ''الفِصَل'': ''رُوِّينا عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- ومعاذ بن جبل، وابن ‏مسعود، وجماعة من الصحابة ‎-رضي الله عنهم-‎‏ وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، ‏وإسحاق بن راهويه -رحمة الله عليهم- وعن تمام سبعة عشر رجلًا مِن الصحابة والتابعين ‏-رضي الله عنهم- أنَّ مَن ترَك صلاة فرض عامدًا ذاكرًا حتى يخرجَ وقتها، فإنه كافرٌ ‏ومرتدٌّ، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب ‏الأندلسي وغيره''. اهـ، ونَقَلَهُ عنهم كذلك الآجُرِّي في ‏''الشريعة''، وابن عبد البر في ''التمهيد''.

وقد أعَدَّ الله لمن لا ينتظم في الصلاة واديًا في جنهم، وعذابًا شديدًا؛ فقال –سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4،5].
وقال بلال بن سعد -رضي الله عنهم- لأبيه:''يا أبتاه؛ أهم الذين لا يصلون؟''، فقال: ''يا بني، لو تركوها لكفروا، ولكنهم الذين يُؤَخِّرون الصلاة عن وقتها''.
فاقرَئي له تلك الآيات والأحاديث، وادعيه أن يتدبرها، ويتفحصها وهو مُوقنٌ؛ رجاء أن يُلْهِمَهُ الله رُشده، ويعينه على نفسه الأَمَّارة بالسوء، واحرصي -رحمك الله- على هدايته ونُصحه، وترغيبه في الأعمال الصالحة، ومجالَسة أهل الخير, وكرِّري تذكيره، ونصحه قدْر المستطاع, وحضه على سماع الأشرطة النافعة، وصحبة الصالحين؛ فالمرءُ على دين خليلِه؛ كما في حديث أحمد، وأبي داود، والترمذي، والحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي.
 

أوصيك بالصبر ثانيةً؛ فالسعيُ في هداية النفس البشرية ليس بالأمر الهين، وإنما يتطلب جهدًا، ويقينًا، وثقةً بالله، وافتقارًا له، وطلب العوْن منه -سبحانه- وأن تدركي -دائمًا أيتها الكريمة- أنَّ قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقَلِّبها كيف يشاء، فأحسني ظنك بالله تعالى، وابذلي وسْعك في محاولات إصلاحه، مُريدةً بذلك وجه الله تعالى، وستُكلل -بإذن الله تعالى- جهودك بالنجاح، وسيصلح الله حال زوجك.
 

ومِن الوسائل التي أوصيك باتباعها أيضًا:
أولًا: أخبريه أنه يجب عليه التوبة الصادقة، مع الندم والإكثار مِن فِعْل النوافل والطاعات، والاستقامة على أمر الله، مع بيان أن الصلاة أول ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة؛ كما قال الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-: «أولُ ما يحاسب عليه العبدُ الصلاة، فإن صلحتْ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدتْ فقد خاب وخسر»؛ (رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه).
ويجب على المسلم تجاه تارك الصلاة –أيضًا- تحذيره مِن ترْكها، وبيان أن تاركَها من الكفار، وأنهم-تاركي الصلاة- لو ماتوا على هذا -لا قدر الله ذلك- فمَصيرهم إلى جهنمَ، خالدين فيها أبدًا، لا يخرجون منها بشفاعة الشافعين، ولا برحمة أرحم الراحمين؛ وذلك لأنَّ مَن يخرج مِن هذه الأمة من النار بالشفاعة يُعْرَف بعلامات السجود؛ كما ثبَت في الصحيحين وغيرهما، ورحمة الله تعالى لا تُدْرِك إلا الموحدين، وكذلك لا يُصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين - كما حقَّقه العلامةُ العثيمين- وإن أمكن إعطاؤهم بعض الكتيبات، أو الأشرطة التي فيها بيان حكم تارك الصلاة؛ ككتاب''حكم تارك الصلاة''؛ للعلامة محمد بن صالح العثيمين، أو جمعهم ببعض أهل العلم -إن أمكن- لأنه مِن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يهجرون ما دمنا نرجو منهم التوبة والأوبة، فإذا غلب على الظن أن الهجْرَ سيكون سببًا في معاودتهم للصلاة، وجَب علينا هجْرهم وتركهم؛ لعلهم يرجعون.
 
ثانيًا: احرصي على فتْح باب الحوار معه، وأخبريه -بصراحة- عن كلِّ ما ينفِّرك منه، وعن حرمة بقائك معه إن أَصَرَّ على ترْك الصلاة، إلى غير ذلك مما تحتاجين الكلام فيه، وأن غضبك منه ومما يفعله لله تعالى.
 
ثالثًا: لتكنْ دعوتك له بلُطفٍ، ولينٍ، ورحمةٍ، ورغبةٍ في النجاة به، فإنَّ الرِّفق ما كان في شيء إلا زانَه، وما نُزِع مِن شيء إلا شانه، فحاولي ترْقية زوجك إيمانيًّا، والعودة به إلى الله؛ فهو بحاجةٍ لمن يرحمه، ويأخذ بيدِه وهو في هذه الحال، واجعليه يشعُر بخوفك وحرصك عليه، وعلى الخير له، فكلما أحسَّ أنك تفعلين ذلك رغبةً في تجنيبه لسخط الله تعالى كانت الاستجابة أسرع؛ فالنفسُ البشرية مجبولةٌ على حُبِّ مَن أحْسَن إليها.
 
رابعًا: زوجُك يحتاج إلى تقْوية الإيمان، والتذكير بأحوال الآخرة، بذِكْر الجنة والنار، وما فيهما مِن الجزاء الحسَن للمحسنين، والجزاء الأليم للمسيئين الظالمين، بحاجةٍ إلى أن يُذَكَّرَ بالوقوف بين يدي الله، وحين تُعْرَض عليه صحائف الأعمال، وتُنشر الصحائف على رؤوس الأشهاد، وأن يذكرَ بالقبر وما فيه مِن شدائد وأهوالٍ، وهذه المواد منتشرةٌ، موجودةٌ على شبكتنا، وعلى غيرها من المواقع الصوتية؛ كموقع طريق الإسلام.
 
خامسًا: ذكريه -دائمًا- بالصلاة أول وقتها، وإن كان خارجًا فاتصلي به، واجتهدي في الدعاء له بالهداية والصلاح في أوقات الإجابة، ولا تَمَلِّي؛ فإنَّ الله - عز وجل- على كل شيء قدير، وإذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون.
 

أما هَجْرك لفراشه لتفريطه في حق الله، فقد اختار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- جواز هجر المرأة لزوجها؛ لحق الله، واحْتَجَّ بحديث كعب بن مالكٍ في قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوكٍ، وفيه: فقال: ''إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلتُ: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها، ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلتُ لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم؛ حتى يقضي الله في هذا الأمر''؛ فقال في الفتاوى الكبرى(5 /480): ''وتهجُرُ المرأة زوجها في المضجع لحق الله؛ بدليل قصة الذين خُلِّفوا في غزوة تبوكٍ، وينبغي أن تملك النفقة في هذه الحال؛ لأنَّ المنع منه كما لو امتنع من أداء الصداق'' اهـ.
 
لو استمر في غيِّه -لا قدر الله- بعد محاولاتك المتكررة، فلا بد مِن إعلام الأهل للسعي في إصلاحه.
 
ثبَّتَكم الله على الحقِّ.

  • التصنيف: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية
  • المصدر: موقع الألوكة

ليست هناك تعليقات