Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

آخر موضوعاتنا

latest

التعاطف مهارة يمكن غرسها في الأطفال

طفل عمره أربع سنوات يلعب بعربة صغيرة فوق سجادة الغرفة، يدفعها بحماس على الأرض، فتأتي شقيقته التي تبلغ من العمر عامين، فتلتقط العربة وتد...



طفل عمره أربع سنوات يلعب بعربة صغيرة فوق سجادة الغرفة، يدفعها بحماس على الأرض، فتأتي شقيقته التي تبلغ من العمر عامين، فتلتقط العربة وتدفعها هي الأخرى، ومن ثمّ يقوم الطفل غاضباً ويأخذ العربة بعنف ويضرب بها شقيقته فوق رأسها، فتأتي الأم مهرولة على صراخ الطفلة الصغيرة .. نموذج بسيط لمشاكل الحياة اليومية التي تواجه الأم مع صغارها نتيجة غياب التعاطف عند الأطفال وعدم إحساسهم بشعور الآخرين، حيث يؤكد علماء الاجتماع أن التعاطف يُعد من الأشياء الأساسية لتكوين العلاقات الإنسانية بصورة سليمة، كما أضافوا أيضا أن التعاطف من أحد الأشياء التي يجب غرسها وتعليمها للأطفال منذ الصغر، فمن السهل اكتساب هذه المهارة إذا حرص الآباء والأمهات على إتباع بعض الإرشادات البسيطة. ونتناول في السطور التالية الحلول التي اقترحتها دراسة أمريكية حديثة للباحثة "سو بيرجين" المتخصصة في شئون الأسرة.


تذكر الدراسة أن الأم في الحالة المذكورة أعلاه، يكون أمامها أحد الخيارات التالية:

1- أن تعاقب الطفل لأنه ضرب شقيقته

2- أن تعاقب الطفلة لأنها أخذت لعبة أخيها

3- أن تعاقب كل منهما

4- أن تتحدث مع الطفل عما سيشعر به إذا تعرض للضرب على رأسه، وأن تتحدث إلى الطفلة عما ستشعر به إذا أخذ منها شقيقها لعبتها الخاصة.

يفضل الكثير من خبراء التربية أن تقوم الأم بالاستفادة من هذا الموقف في تعليم الطفلين التعاطف؛ تلك المهارة المحورية المرتبطة بالنمو العاطفي والاجتماعي لدى الأطفال. يعني التعاطف القدرة على فهم مشاعر الآخرين، لدرجة معينة على الأقل، إلى جانب إدراك ما يشعرون به وكيفية الاستجابة لتلك المشاعر بطريقة مناسبة. ويرتبط التعاطف أيضا بالمشاعر الأخلاقية، فهو مرتبط بالتصرف الأخلاقي، لأنه يجبر الإنسان على التصرف بنوع من الرحمة والشفقة في الوقت الذي ربما يعجز فيه العقل عن ذلك.

يصبح الطفل الذي لا يكتسب الشعور بالتعاطف شاباً قاسياً في المستقبل، غافل عن الإساءة والألم والجرح الذي يتركهم في نفوس الآخرين من حوله. ويعتقد الباحثون أن التعاطف ـ شأنه مثل كل المشاعر الأخرى مثل الإحساس بالذنب ـ لا ينمو بمفرده، بل يجب أن يتم تعليمه. وبالطبع يلعب الآباء والأمهات دوراً مهما في مساعدة أطفالهم على اكتساب الشعور بالتعاطف من خلال إرشادهم إلى ذلك منذ الطفولة والقيام بدور المعلم في هذا الشأن، وأن يكونوا قدوة لهم.



البداية المبكرة أفضل

يتطور الشعور بالتعاطف لدى بعض الأطفال بصورة طبيعية أحيانا، ولكن بلاشك يحتاج كل الأطفال إلى هذه المهارة لتحقيق النمو السليم، ولذلك يجب على الآباء والأمهات البدء في ذلك بصورة مبكرة كلما أمكن. فالأطفال عند بلوغهم العام والنصف من العمر، يمكنهم أن يفهموا الآباء عندما يعلمونهم التعاطف، ويذهب بعض الخبراء إلى تأكيد أنهم بالفعل يُظهرون استجابات عاطفية في تلك المراحل المبكرة، وعلى الرغم من أن التعاطف لدى الأطفال يستغرق سنوات كثيرة كي ينضج وينمو، فإن بدء التدريب منذ الصغر يحقق عدداً من الأشياء المهمة ومنها: أنه يدرب الآباء على اكتساب عادة ملاحظة الأوقات التي يمكن فيها تعليم الأطفال التعاطف والاستفادة منها، إضافة إلى أنه يخلق للأطفال فرصة للتحول من مرحلة فهم التعليمات الشفوية إلى المرحلة التي يكونوا فيها قادرين على التنفيذ والتصرف فيما بعد.

على سبيل المثال، إذا رأي طفل صغير طفلاً آخر وهو يسقط على الأرض، فربما يكون للطفل استجابة فورية بنوع من التعاطف؛ بأن يقدم له المساعدة والدعم، نتيجة نصائح وإرشادات تعلمها من قبل في لحظات مماثلة مع والديه.

البنات أكثر تعاطفاً من الأولاد

ربما يكتشف الآباء أثناء تدريب أطفالهم على التعاطف أن البنات يكن أكثر تعاطفاً من الأولاد، وقد أظهرت أبحاث كثيرة أن البنات في مراحل التعليم الأساسي وحتى سن المراهقة تسجلن درجات أعلى في مقياس التعاطف مقارنة بالأولاد في المراحل العمرية نفسها. ولم تذكر الأبحاث أسباباً محددة لتلك الاختلافات بين الأولاد والبنات، ولكن أرجح البعض أن تربية الأولاد تعتمد في الغالب على تعليمهم أنه لا يجب عليهم إظهار عواطفهم أبداً وخاصة الحزن والبكاء، بل ويتم تشجيعهم للتعبير عن الغضب؛ فهو الشعور الوحيد المسموح لهم إظهاره والتعبير عنه بحرية. وهذا ينطبق تماما مع أساليب التربية المُتبعة في مجتمعاتنا العربية حيث يتم التركيز على الخشونة والشدة في تربية الأولاد، ويتفاخر الرجال بشدتهم وقسوتهم.

يجب أن يدرك كل من الأولاد والبنات حقيقة كل مشاعرهم، فمن القسوة أن تنشأ علاقات في المستقبل بين طرفين لا يدرك أحدهما أهمية المشاعر والأحاسيس ولم يتعلم أن يتصرف بتعاطف من قبل، وخاصة في علاقات الزواج.



تحديد مسميات المشاعر

تعتبر مساعدة الأطفال على معرفة المشاعر والعواطف بشكل عام من أولى الخطوات في تعليمهم التعاطف، فالأطفال الصغار يشعرون بكل العواطف التي يشعر بها الكبار بداية من الإحباط إلى خيبة الأمل والحزن، غير أنهم يفتقرون إلى الخبرة في تحديد وتسمية والتغلب على تلك المشاعر. وعندما يساعد الآباء والأمهات أطفالهم على تسمية ما يشعرون به، يستطيع الأطفال بسهولة الإحساس بعالمهم العاطفي.



الآباء .. المثل الأعلى للتعاطف

من أقوى الأشياء التي تجعل الأطفال يتعلمون التعاطف أن يتصف سلوك تربية الآباء والأمهات أنفسهم بالتعاطف. وبينما يكون من الصعب الحفاظ على الصبر عند التعامل مع الأطفال الصغار، فإنه من الضروري أن يبقى الآباء والأمهات في حالة من الهدوء عندما يرتكب الأطفال الأخطاء الفادحة، لأن اللجوء إلى الصراخ والضرب سيكون له نتائج عكسية، حيث يترك في الأطفال انطباع بأن الضرب والصراخ من الوسائل المقبولة للسيطرة على المشاعر والانفعالات، وهي الوسائل التي سيستخدمونها مستقبلا مع أطفالهم.

بمرور الوقت، يمكن للأطفال أن يتعلموا التعاطف من الآباء والأمهات إذا أبدوا الاهتمام في الاستماع إلى خبراتهم، وأنصتوا إليهم جيداً وتفاعلوا معهم، ووجهوا إليهم أسئلة تساعدهم على توضيح مشاعرهم وأفكارهم.



مساعدة الأطفال على قراءة مشاعر الآخرين

ينصح المختصون بأن يقوم الآباء والأمهات بتوضيح كل من نقاط التشابه والاختلاف بين أطفالهم والأطفال الآخرين، لأن إدراك حقيقة التشابه بينهم وبين الآخرين يساعدهم على التصرف تجاههم بنوع من التعاطف، كما أن إدراك الاختلاف يلفت أنظارهم إلى أن ما قد يُشعرهم بالسعادة ربما يتسبب في مضايقة الآخرين. ويستطيع الآباء والأمهات القيام بذلك أثناء جلوسهم مع أطفالهم لمشاهدة التليفزيون، من خلال وصف مشاعر الشخصيات التليفزيونية التي يشاهدونها على الشاشة وتفسير تعبيرات وجوههم، وكذلك أثناء قراءة القصص والحكايات معهم.



كلمة أخيرة

وهكذا أوضحت لنا الدراسة أهمية غرس التعاطف لدى الأطفال، ولكن هل يكون بإمكان الآباء والأمهات القيام بذلك في أي وقت؟ ومن واقع الخبرة والممارسة العملية أرى أن هناك بعض الأوقات التي يكون من المستحيل فيها أن يفكر الأطفال في مشاعر الآخرين، فلا يجب بكل حال من الأحوال أن يتوقع الكبار أن ينجح الأطفال في الشعور بالتعاطف تجاه الآخرين عندما يكون بداخلهم مشاعر سيئة. فعندما يشعر الأطفال بالغضب أو الإحباط أو الحزن، سيكون من الصعب عليهم الشعور بالتعاطف تجاه الآخرين، لذلك يتعين على الكبار الانتظار حتى يتعامل الأطفال مع مشاعرهم الشخصية أولا، وأن يساعدوهم أيضا على تهدئة أنفسهم والتخلص من المشاعر السلبية، وبعدها ينتظرون الفرصة المناسبة لغرس التعاطف بداخلهم، خاصة وأن تعليم التعاطف يعتبر عملية مستمرة لا يمكن أن يكتسبها الطفل في أيام قليلة أو أسابيع أو حتى شهور، إنها مهارة تحتاج إلى الكثير من التدريب والصبر أيضا من الكبار. وأخيراً لن يتحقق ما سبق إلا عندما يخلق الآباء والأمهات بيئة الأبواب المفتوحة في المنزل بينهم وبين أطفالهم، وأن يجعلوهم دائما يشعرون بأنهم يمكنهم الاستماع بترحيب إلى كل تجاربهم؛ الإيجابية والسلبية من دون خوف أو رهبة من عقاب أو لوم.

ليست هناك تعليقات