السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل ل...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: لقد خلق الله الدنيا مميزة عن الآخرة، وجعل في دار الابتلاء بضد ما في دار الكرامة، فكما أن دار الكرامة وهي الجنة لا هم فيها، ولا حزن، ولا غم، ولا ألم، فإن في الجنة ما به تسر أرواح المؤمنين، وما يكون فيه بهجة ولذة دائمة.
وأما الدنيا، فهي دار هموم وغموم، وأحزان وآلام، ولكن من رحمة الله –تعالى- أنه يخلق الداء ويخلق الدواء، ويقدر هذا الألم، ويعرفنا بما يعالجه ويزيله.
وكثيراً ما تركب الإنسان في الدنيا هموم وغموم وأحزان، فالحزن في الحاضر، والغم على شيء مضى، والهم من شيء سيأتي.
فماذا يفعل الإنسان إذا أصابته الهموم والأحزان، وما هي العلاجات الشرعية عندما تركبه هذه الآلام؟
إن هنالك كثيراً من الأمور في الكتاب والسنة، فمن هذا: أن يستصحب الإنسان المسلم معية الله –تعالى-، فالله -عز وجل- مع عبده المؤمن، وهذه ثمرة الإيمان، هذه ثمرة صحة الاعتقاد، هذه فائدة التوحيد، ألم تر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ركب الحزن قلب صاحبه قال له: "لا تحزن إن الله معنا" [رواه البخاري 3652].
فداوى حزن صاحبه بتذكيره بمعية الله، فإذا شعر العبد المؤمن أن الله معه، أن الله -سبحانه وتعالى -يداويه ويعالجه، أن ربه -سبحانه وتعالى- متكفل به، فهو إذا توكل عليه، وفوض الأمر إليه، أزاح همه، وأزال غمه، وعالج حزنه سبحانه وتعالى.
وكذلك: أن يعلم العبد أن هذه طبيعة الدنيا، فعند ذلك يسري عن نفسه بأنه أمر لا بد منه، ولا يمكن النجاة والفكاك من هذا بالكلية؛ لأنه طبع فيها.
ولذلك كان من المعالجات للهموم والغموم والأحزان بدلاً من الحبوب المهدئة، والعلاجات المشكوك فيها، بدلاً من المنومات المضرة: أن يجعل المسلم همه الآخرة، فإن من جعل همه في الآخرة وقاه الله هموم الدنيا، وعالج قلبه من وطأتها.
وكذلك من العلاجات: كثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك جاء في حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-: أنه كان له ورد يقوله، وأدعية في وقت من يومه، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: كم أجعل لك من دعائي، من وردي؟
قال: "ما شئت" قال: الربع، قال: "ما شئت" قال: الثلث؟
قال: "ما شئت" قال: النصف؟
قال: "ما شئت" قال: إذن أجعل لك دعائي، وأجعل وردي وذكري هذا كله صلاة عليك، قال: "إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك"[رواه الترمذي 2457].
إذن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تزيل الهموم، ويكفى الإنسان بها من الغموم.
وكذلك من العلاجات القرآنية النبوية: هذه الأدعية التي علمنا إياها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم"[رواه البخاري 7431].
إذن "لا إله إلا الله الحليم الكريم" تهليلة مختومة باسمين عظيمين: "لا إله إلا الله رب العرش العظيم"، القدرة "لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم".
كذلك علمنا أن نقول إذا أصاب أحدنا هم أو غم: "اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك" التحكم الكامل.
"ناصيتي بيدك، عدلٌ فيّ قضاؤك" هذا اعتراف مهم جداً، مهما كتبت علي لا اعتراض، مهما كتبت علي، ذهاب نفوس، خسارة أموال، ظلم يقع علي من أقارب أو أباعد، مهما كتبت علي أنا ملكك، إنا لله وإنا إليه راجعون.
"عدلٌ في قضاؤك" لا يوجد تبرم من القضاء، اعتراف العبد بعدل الله حتى في حال الحزن والغم والهم والمصائب التي تغشاه.
"ماضٍ في حكمك" هذا الاستسلام للقضاء والقدر.
"أسألك بكل اسم هو لك" سؤال الله بأسمائه وصفاته سؤال عظيم، وفي الدعاء شأنه عظيم.
"أسألك بكل اسم هو لك، أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه"[رواه أحمد 4318].
هذا دعاء علمنا إياه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر بتعلمه، فشأنه وأثره والتداوي به نافع جداً.
دعوات المكروب: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث"[رواه الترمذي 3524].
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن"[رواه البخاري 2893].
الاستعاذة نافعة أيضاً.
وكذلك -يا مسلم يا عبد الله-: أن تعلم بأن الغموم والهموم والأحزان مهما بلغت، مهما بلغت فإن لها نهاية حتى لو كان الموت والذهاب من الدنيا، لكن الذهاب على دين وإيمان، قال: المؤمن مستريح، الموتى نوعان: مستريح ومستراح منه، المؤمن يستريح من هم الدنيا، وغمها، وعنائها، ولذلك جاء في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي، أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأن روح المؤمن إذا قبضت وذهب بها إلى أرواح المؤمنين واجتمع بهم وجعل بعضهم يسأله: ما فعل فلان؟ ما خبر فلان؟ فيقول بعضهم لبعض: "دعوه فإنه كان في غم الدنيا"[رواه النسائي 1833].
ألم تر أنه قال في الدعاء: "وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون"[رواه الترمذي 3233].
وكذلك: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر"[رواه مسلم 2720].
المؤمن في النهاية حتى لو وصلت إلى الموت راحة، لكن الله -عز وجل- يخفف، ويهون، ويزيل، ويقشع، ويذهب، وهو على كل شيء قدير.
ثم أيضاً من المعالجات: النظر في إيجابيات المكروه الذي حصل، والغم الذي نشأ عنه، والحزن والهموم التي تركب، مثل حديث: "لا يفرك مؤمن مؤمنة" لا يكره "إن كره منها خلقاً رضي بآخر" [رواه مسلم 1469].
ولذلك قد تكون أحياناً المصائب التي تقع فيها جانب خير؛ مثل حديث: "ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"[رواه البخاري 5641].
فهذا مؤلم لكن له فائدة، ومن تأمل حديث: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير"[رواه مسلم 2999].
عرف هذا المقصود، يعني: أنه حتى الأشياء السيئة التي تحصل والمكروهة والمؤلمة له فيها خير، عبد الله بن المغفل -رضي الله عنه- روى حديثاً عجيباً، أن رجلاً قد يكون حديث عهد بالإسلام، وجد امرأة كانت بغياً ثم أسلمت، فجعل يكلمها حتى بسط يده إليها، فقالت: مه، جاء الله بالإسلام، يعني حرم هذا، فارعوى الرجل واستدار وانصرف، فلقيه جدار شجه، جعل ينزف، فذهب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبره، حصل مني كذا وكذا وصار لي بعدها مباشرة كذا وكذا، قال: "أنت عبد أراد الله بك خيراً" لماذا؟ قال: "من أراد الله به خيراً عجل له عقوبة ذنبه"[رواه أحمد 16806].
ومن أراد به غير ذلك سيلقى هذه الآثام أكواماً يوماً الدين، يوافى بها كلها، إذن، هذا الشيء المؤلم فيه فائدة، كفارات.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد، حامل لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وذريته الطيبين، وخلفائه الميامين، وأزواجه، وصحابته، والتابعين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
الصلاة، الصلاة: "أرحنا بها يا بلال"[رواه الطبراني في المعجم الكبير 6215].
الصلاة لو كانت خاشعة تزيل الهموم حقاً: "كان إذا كربه أمر فزع إلى الصلاة".
وكذلك ذكره، وتلاوة كتابه، والمواضع التي تسكن الآلام من كتابه.
وكان الشافعي -رحمه الله- لما مرض أمر رجلاً أن يقرأ عليه آيات آل عمران التي فيها ما حصل للصحابة من الغم العظيم: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ سورة)[آل عمران:165].
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا)[آل عمران:139].
وذكر ما في هذه المصائب من الفوائد: (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ)[آل عمران:141].
ليميز الله، ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا.
عباد الله: وإن اللجوء إلى الله في وقت الأزمات والملمات، وإنزال الحاجة به، وهو سبحانه كريم وعلى كل شيء قدير، سريع المفعول.
والله عندما نرى كثرة ما يصيب الناس من الأزمات النفسية، والاكتئاب، والإحباط، والانهيارات العصبية، وأحياناً ما يؤدي إلى الانتحار، والذهاب إلى الأطباء النفسانيين، والتكلفة الباهظة والمئات والآلاف، وجلسات المعالجات النفسية عند الأخصائي النفسي، والجلسة بكذا، وماذا تقول؟! استرخِ! عبر عما في نفسك! حبوب مهدئة! ماذا لديهم؟!.
لكن ما عند الله أعظم، ما في الكتاب والسنة أعظم، هذه علاجات -يا جماعة- ما لها أي نتائج سلبية، ولا مضاعفات جانبية، وإذا كانت تلك ظنية الفائدة هذه قطعية الفائدة، والمفعول أقوى، والنتائج أسرع.
العلاء الحضرمي -رضي الله عنه- رجل عجيب، من الصحابة من أولياء الله، لما صارت ردة العرب، أرسله أبو بكر -رضي الله عنه- على رأس جيش من المسلمين؛ لقتال المرتدين في شرق الجزيرة، فساروا وساروا ثم نزلوا منزلاً أول ما نزلوا قالوا: نفرت الإبل التي عليها خيامهم، وطعامهم، وزادهم، وشرابهم، وكل شيء، نفرت، وهربت وشردت، وحاولوا اللحاق بها ما استطاعوا فركب الناس هم عظيم، وقعدوا حتى جعل بعضهم يوصي بعضاً؛ لأنهم شعروا بقرب الهلاك، والموت في هذه المفازة، وهذه الصحراء، فقال لهم العلاء -رضي الله عنه-: ألستم أنصار الله؟ ألم تخرجوا في سبيله؟ أليس هو على كل شيء قدير؟ قوموا فادعوه، وجعل يرفع يديه ويدعو وهم يؤمنون، وألح بالدعاء وألح، قال: فأنبع الله بجانبهم ماءاً فلما شربوا منه رجعت إليهم إبلهم كلها لم يفقدوا منها واحداً، الدعاء مفعوله عظيم، والله يجيب دعوة المضطر.
العلاجات في الكتاب والسنة -أيها الإخوة- لموضوع الهموم والغموم، والآلام والأحزان، موضوع واسع، وفي علاجات كثيرة، وحتى الأشياء المادية، فمثلاً أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التلبينة: تجم الفؤاد: "إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم"[رواه ابن ماجة 3445].
يعني: المريض المرض الحسي، وكذلك المعلول العلة المعنوية
"التلبينة مجمة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن"[رواه البخاري 5417].
وقد وصف العلماء التلبينة: بأنها حساء الشعير، وقال بعضهم: حساء الدقيق.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "والأليق بالمريض المرض الحسي أن تطبخ له حبوباً غير مطحونة، والمريض أو المعلول بالآلام النفسية أن يكون ذلك الشعير مطحوناً" -الحساء- وقال بعضهم: يجعل معه العسل.
وكانت عائشة -رضي الله عنها-: إذا أصاب أحداً من أهلها مصيبة أمرت له بالتلبينة، هذا الحساء يجم، والله خالق الأطعمة، ويجعل ما شاء من الخصائص فيها.
الشاهد -أيها الإخوة-: أن الشرع هذا كامل وعظيم وما في شيء تركه: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)[الأنعام:38].
وكم يحتاج الناس إلى هذه الأشياء في الدنيا التي نعيشها الآن، في هذا العصر، وهذا الأوان، الذي كثرت فيه المصائب، وكثرت فيه الآلام والأحزان، كثر فيه الظلم، عم فيه الطغيان، صار بعض الناس يأكل بعضاً.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
وهكذا، وهكذا.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغفر لنا أجمعين، وأن يتوب علينا ويلحقنا بالصالحين.
اللهم اقض ديوننا، واكشف غمومنا، اللهم اغفر ذنوبنا، واهد ضالنا، واشف مريضنا، وارحم ميتنا، واجمع على الحق كلمتنا.
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان يا رحمن أخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، أدخلنا الجنة مع الأبرار، أعتقنا بفضلك من النار.
اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه وأنت على كل شيء قدير، وأنت الكريم الرحيم الحليم العلي العظيم، اللهم إنا نسألك أن تعجل الفرج لإخواننا المستضعفين يا رب العالمين، اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلينا وأموالنا، استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، يا رحمن يا رحيم.
لا تخرجنا من هذا البيت من بيوتك إلا وقد غفرت لنا، وكتبتنا من عتقائك من النار، يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: لقد خلق الله الدنيا مميزة عن الآخرة، وجعل في دار الابتلاء بضد ما في دار الكرامة، فكما أن دار الكرامة وهي الجنة لا هم فيها، ولا حزن، ولا غم، ولا ألم، فإن في الجنة ما به تسر أرواح المؤمنين، وما يكون فيه بهجة ولذة دائمة.
وأما الدنيا، فهي دار هموم وغموم، وأحزان وآلام، ولكن من رحمة الله –تعالى- أنه يخلق الداء ويخلق الدواء، ويقدر هذا الألم، ويعرفنا بما يعالجه ويزيله.
وكثيراً ما تركب الإنسان في الدنيا هموم وغموم وأحزان، فالحزن في الحاضر، والغم على شيء مضى، والهم من شيء سيأتي.
فماذا يفعل الإنسان إذا أصابته الهموم والأحزان، وما هي العلاجات الشرعية عندما تركبه هذه الآلام؟
إن هنالك كثيراً من الأمور في الكتاب والسنة، فمن هذا: أن يستصحب الإنسان المسلم معية الله –تعالى-، فالله -عز وجل- مع عبده المؤمن، وهذه ثمرة الإيمان، هذه ثمرة صحة الاعتقاد، هذه فائدة التوحيد، ألم تر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ركب الحزن قلب صاحبه قال له: "لا تحزن إن الله معنا" [رواه البخاري 3652].
فداوى حزن صاحبه بتذكيره بمعية الله، فإذا شعر العبد المؤمن أن الله معه، أن الله -سبحانه وتعالى -يداويه ويعالجه، أن ربه -سبحانه وتعالى- متكفل به، فهو إذا توكل عليه، وفوض الأمر إليه، أزاح همه، وأزال غمه، وعالج حزنه سبحانه وتعالى.
وكذلك: أن يعلم العبد أن هذه طبيعة الدنيا، فعند ذلك يسري عن نفسه بأنه أمر لا بد منه، ولا يمكن النجاة والفكاك من هذا بالكلية؛ لأنه طبع فيها.
ولذلك كان من المعالجات للهموم والغموم والأحزان بدلاً من الحبوب المهدئة، والعلاجات المشكوك فيها، بدلاً من المنومات المضرة: أن يجعل المسلم همه الآخرة، فإن من جعل همه في الآخرة وقاه الله هموم الدنيا، وعالج قلبه من وطأتها.
وكذلك من العلاجات: كثرة الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك جاء في حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-: أنه كان له ورد يقوله، وأدعية في وقت من يومه، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: كم أجعل لك من دعائي، من وردي؟
قال: "ما شئت" قال: الربع، قال: "ما شئت" قال: الثلث؟
قال: "ما شئت" قال: النصف؟
قال: "ما شئت" قال: إذن أجعل لك دعائي، وأجعل وردي وذكري هذا كله صلاة عليك، قال: "إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك"[رواه الترمذي 2457].
إذن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تزيل الهموم، ويكفى الإنسان بها من الغموم.
وكذلك من العلاجات القرآنية النبوية: هذه الأدعية التي علمنا إياها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم"[رواه البخاري 7431].
إذن "لا إله إلا الله الحليم الكريم" تهليلة مختومة باسمين عظيمين: "لا إله إلا الله رب العرش العظيم"، القدرة "لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم".
كذلك علمنا أن نقول إذا أصاب أحدنا هم أو غم: "اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك" التحكم الكامل.
"ناصيتي بيدك، عدلٌ فيّ قضاؤك" هذا اعتراف مهم جداً، مهما كتبت علي لا اعتراض، مهما كتبت علي، ذهاب نفوس، خسارة أموال، ظلم يقع علي من أقارب أو أباعد، مهما كتبت علي أنا ملكك، إنا لله وإنا إليه راجعون.
"عدلٌ في قضاؤك" لا يوجد تبرم من القضاء، اعتراف العبد بعدل الله حتى في حال الحزن والغم والهم والمصائب التي تغشاه.
"ماضٍ في حكمك" هذا الاستسلام للقضاء والقدر.
"أسألك بكل اسم هو لك" سؤال الله بأسمائه وصفاته سؤال عظيم، وفي الدعاء شأنه عظيم.
"أسألك بكل اسم هو لك، أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه"[رواه أحمد 4318].
هذا دعاء علمنا إياه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر بتعلمه، فشأنه وأثره والتداوي به نافع جداً.
دعوات المكروب: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث"[رواه الترمذي 3524].
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن"[رواه البخاري 2893].
الاستعاذة نافعة أيضاً.
وكذلك -يا مسلم يا عبد الله-: أن تعلم بأن الغموم والهموم والأحزان مهما بلغت، مهما بلغت فإن لها نهاية حتى لو كان الموت والذهاب من الدنيا، لكن الذهاب على دين وإيمان، قال: المؤمن مستريح، الموتى نوعان: مستريح ومستراح منه، المؤمن يستريح من هم الدنيا، وغمها، وعنائها، ولذلك جاء في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي، أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأن روح المؤمن إذا قبضت وذهب بها إلى أرواح المؤمنين واجتمع بهم وجعل بعضهم يسأله: ما فعل فلان؟ ما خبر فلان؟ فيقول بعضهم لبعض: "دعوه فإنه كان في غم الدنيا"[رواه النسائي 1833].
ألم تر أنه قال في الدعاء: "وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون"[رواه الترمذي 3233].
وكذلك: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر"[رواه مسلم 2720].
المؤمن في النهاية حتى لو وصلت إلى الموت راحة، لكن الله -عز وجل- يخفف، ويهون، ويزيل، ويقشع، ويذهب، وهو على كل شيء قدير.
ثم أيضاً من المعالجات: النظر في إيجابيات المكروه الذي حصل، والغم الذي نشأ عنه، والحزن والهموم التي تركب، مثل حديث: "لا يفرك مؤمن مؤمنة" لا يكره "إن كره منها خلقاً رضي بآخر" [رواه مسلم 1469].
ولذلك قد تكون أحياناً المصائب التي تقع فيها جانب خير؛ مثل حديث: "ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"[رواه البخاري 5641].
فهذا مؤلم لكن له فائدة، ومن تأمل حديث: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير"[رواه مسلم 2999].
عرف هذا المقصود، يعني: أنه حتى الأشياء السيئة التي تحصل والمكروهة والمؤلمة له فيها خير، عبد الله بن المغفل -رضي الله عنه- روى حديثاً عجيباً، أن رجلاً قد يكون حديث عهد بالإسلام، وجد امرأة كانت بغياً ثم أسلمت، فجعل يكلمها حتى بسط يده إليها، فقالت: مه، جاء الله بالإسلام، يعني حرم هذا، فارعوى الرجل واستدار وانصرف، فلقيه جدار شجه، جعل ينزف، فذهب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبره، حصل مني كذا وكذا وصار لي بعدها مباشرة كذا وكذا، قال: "أنت عبد أراد الله بك خيراً" لماذا؟ قال: "من أراد الله به خيراً عجل له عقوبة ذنبه"[رواه أحمد 16806].
ومن أراد به غير ذلك سيلقى هذه الآثام أكواماً يوماً الدين، يوافى بها كلها، إذن، هذا الشيء المؤلم فيه فائدة، كفارات.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد، حامل لواء الحمد، وصاحب المقام المحمود، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وذريته الطيبين، وخلفائه الميامين، وأزواجه، وصحابته، والتابعين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
الصلاة، الصلاة: "أرحنا بها يا بلال"[رواه الطبراني في المعجم الكبير 6215].
الصلاة لو كانت خاشعة تزيل الهموم حقاً: "كان إذا كربه أمر فزع إلى الصلاة".
وكذلك ذكره، وتلاوة كتابه، والمواضع التي تسكن الآلام من كتابه.
وكان الشافعي -رحمه الله- لما مرض أمر رجلاً أن يقرأ عليه آيات آل عمران التي فيها ما حصل للصحابة من الغم العظيم: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ سورة)[آل عمران:165].
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا)[آل عمران:139].
وذكر ما في هذه المصائب من الفوائد: (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ)[آل عمران:141].
ليميز الله، ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا.
عباد الله: وإن اللجوء إلى الله في وقت الأزمات والملمات، وإنزال الحاجة به، وهو سبحانه كريم وعلى كل شيء قدير، سريع المفعول.
والله عندما نرى كثرة ما يصيب الناس من الأزمات النفسية، والاكتئاب، والإحباط، والانهيارات العصبية، وأحياناً ما يؤدي إلى الانتحار، والذهاب إلى الأطباء النفسانيين، والتكلفة الباهظة والمئات والآلاف، وجلسات المعالجات النفسية عند الأخصائي النفسي، والجلسة بكذا، وماذا تقول؟! استرخِ! عبر عما في نفسك! حبوب مهدئة! ماذا لديهم؟!.
لكن ما عند الله أعظم، ما في الكتاب والسنة أعظم، هذه علاجات -يا جماعة- ما لها أي نتائج سلبية، ولا مضاعفات جانبية، وإذا كانت تلك ظنية الفائدة هذه قطعية الفائدة، والمفعول أقوى، والنتائج أسرع.
العلاء الحضرمي -رضي الله عنه- رجل عجيب، من الصحابة من أولياء الله، لما صارت ردة العرب، أرسله أبو بكر -رضي الله عنه- على رأس جيش من المسلمين؛ لقتال المرتدين في شرق الجزيرة، فساروا وساروا ثم نزلوا منزلاً أول ما نزلوا قالوا: نفرت الإبل التي عليها خيامهم، وطعامهم، وزادهم، وشرابهم، وكل شيء، نفرت، وهربت وشردت، وحاولوا اللحاق بها ما استطاعوا فركب الناس هم عظيم، وقعدوا حتى جعل بعضهم يوصي بعضاً؛ لأنهم شعروا بقرب الهلاك، والموت في هذه المفازة، وهذه الصحراء، فقال لهم العلاء -رضي الله عنه-: ألستم أنصار الله؟ ألم تخرجوا في سبيله؟ أليس هو على كل شيء قدير؟ قوموا فادعوه، وجعل يرفع يديه ويدعو وهم يؤمنون، وألح بالدعاء وألح، قال: فأنبع الله بجانبهم ماءاً فلما شربوا منه رجعت إليهم إبلهم كلها لم يفقدوا منها واحداً، الدعاء مفعوله عظيم، والله يجيب دعوة المضطر.
العلاجات في الكتاب والسنة -أيها الإخوة- لموضوع الهموم والغموم، والآلام والأحزان، موضوع واسع، وفي علاجات كثيرة، وحتى الأشياء المادية، فمثلاً أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التلبينة: تجم الفؤاد: "إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم"[رواه ابن ماجة 3445].
يعني: المريض المرض الحسي، وكذلك المعلول العلة المعنوية
"التلبينة مجمة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن"[رواه البخاري 5417].
وقد وصف العلماء التلبينة: بأنها حساء الشعير، وقال بعضهم: حساء الدقيق.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "والأليق بالمريض المرض الحسي أن تطبخ له حبوباً غير مطحونة، والمريض أو المعلول بالآلام النفسية أن يكون ذلك الشعير مطحوناً" -الحساء- وقال بعضهم: يجعل معه العسل.
وكانت عائشة -رضي الله عنها-: إذا أصاب أحداً من أهلها مصيبة أمرت له بالتلبينة، هذا الحساء يجم، والله خالق الأطعمة، ويجعل ما شاء من الخصائص فيها.
الشاهد -أيها الإخوة-: أن الشرع هذا كامل وعظيم وما في شيء تركه: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)[الأنعام:38].
وكم يحتاج الناس إلى هذه الأشياء في الدنيا التي نعيشها الآن، في هذا العصر، وهذا الأوان، الذي كثرت فيه المصائب، وكثرت فيه الآلام والأحزان، كثر فيه الظلم، عم فيه الطغيان، صار بعض الناس يأكل بعضاً.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
وهكذا، وهكذا.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغفر لنا أجمعين، وأن يتوب علينا ويلحقنا بالصالحين.
اللهم اقض ديوننا، واكشف غمومنا، اللهم اغفر ذنوبنا، واهد ضالنا، واشف مريضنا، وارحم ميتنا، واجمع على الحق كلمتنا.
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان يا رحمن أخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، أدخلنا الجنة مع الأبرار، أعتقنا بفضلك من النار.
اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه وأنت على كل شيء قدير، وأنت الكريم الرحيم الحليم العلي العظيم، اللهم إنا نسألك أن تعجل الفرج لإخواننا المستضعفين يا رب العالمين، اللهم اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلينا وأموالنا، استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، يا رحمن يا رحيم.
لا تخرجنا من هذا البيت من بيوتك إلا وقد غفرت لنا، وكتبتنا من عتقائك من النار، يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات