أبواب الرحمة أنا طبيب وأستاذ ورئيس أقسام الجراحة بإحدي كليات الطب الإقليمية.. ومن أصدقاء هذا الباب.. وقد قرأت رسالة قسوة ال...
أبواب الرحمة
أنا طبيب وأستاذ ورئيس أقسام الجراحة بإحدي كليات الطب الإقليمية.. ومن أصدقاء هذا الباب.. وقد قرأت رسالة قسوة الكلمات للشاب الطيب الذي أصيب بالمرض الخطير وأجريت له جراحة وتحسنت حالته والحمد لله واستشار طبيبه في أن يتزوج فنصحه بأن يفعل وفي أقرب وقت, وكتب إليك يسألك: هل يصارح من سوف يتقدم إليها بتاريخه المرضي.. أم يكتمه عنها خوفا من الأثر السلبي المتوقع لإطلاعها عليه.. كما أشار في رسالته إلي قسوة طبيب كان يتعامل معه في بداية مرضه ومصادمته له بأشياء عن مرضه كادت تقتل فيه الأمل في الحياة, وتسد عليه أبواب الرحمة لولا أن اتجه إلي طبيبه الحالي الذي أعاد الأمل إلي نفسه وبشره بإمكان الشفاء وأجري له الجراحة ومضت عشرة أشهر بعدها..
وحتي الآن لم يشك من أي ألم والحمد لله.. وأريد أن أطلب من كاتب هذه الرسالة أن يهدأ بالا وأن يطمئن قلبه برحمة الله الواسعة والتي إن بلغت ظلالها أحدا من عباده فإن كل ماهو مستحيل يصبح هينا بأمر الله وكل مايعتبر من ضروب الخيال يصبح هو الحقيقة ذاتها وليسمح لي بأن أروي له هذه القصة الحقيقية من واقع تجربتي العملية في ممارسة مهنة الجراحة.. فقد ترددت علي عيادتي الخاصة في عام1991 سيدة في حوالي الثلاثين من عمرها وكانت في ذلك الحين متزوجة منذ خمس سنوات ولم تكن قد أنجبت بعد, وقد جاءتني تشكو من ورم في رقبتها وبمجرد الفحص الاكلينيكي له ظهرت أمامي الصورة التي لا تخطئها عين الجراح وهي صورة أورام الغدد الليمفاوية فقمت بأخذ عينة من الورم وأظهرت نتيجة التحاليل إصابتها فعلا بورم الغدد الليمفاوية.
وقمت بتحويلها إلي أحد المراكز المتخصصة لتلقي العلاج الكيماوي وراحت بعد ذلك تتردد علي عيادتي في فترات متباعدة إلي أن سافرت الي خارج البلاد عامي1993 و1994 وبعد عودتي الي أرض الوطن وفي أحد أيام سنة1996 وخلال قيامي بالكشف علي مريضة بعيادتي كانت معها سيدة لم أعرفها لأول وهلة, وبعد انتهاء الكشف علي المريضة فوجئت بهذه السيدة المرافقة للمريضة تسألني ألا تتذكرني فأجبتها بالنفي وإذا بها هي نفس السيدة التي أخذت منها العينة منذ خمس سنوات والتي تركتها تستكمل علاجها الكيماوي فنظرت إليها باهتمام فرأيتها قد ازداد وزنها النصف تقريبا ووجهها يشع فرحة وسرورا, وعرفت منها أنها قد داومت علي العلاج الكيماوي بانتظام وإذا بها خلال تلقي العلاج الكيماوي يشاء لها الله سبحانه وتعالي أن تحمل وأن تنجب طفلا سليما معافي بالرغم من تناولها العلاج الكيماوي وإذا بالحمل يتكرر مرة ثانية بعد ذلك وتلد طفلا آخر سليما بعد أن كانت قبل المرض عقيما لا تلد!
كما كانت تعاني أيضا من آلام الروماتويد حتي أنها قبل مرضها كانت شبه قعيدة لا تقوي علي القيام بأعمال المنزل فإذا بها بعد العلاج الكيماوي لورم الغدد الليمفاوية تشفي تماما من مرض الروماتويد, وسبحان الله العظيم وهي الآن وبعد مرور عشر سنوات تعيش حياة سعيدة هانئة وكل ذلك بفضل رحمة الله التي تغمدتها ولهذا فإني أقول لكاتب رسالة الشاب إن الموت والحياة هو سر عظيم من أسرار الخالق وأنه أبدا لا يموت العليل ولا يحيا الصحيح المعافي, ولو كان الأمر كذلك ماكان هناك سر من أسرار الله وإنما قد يموت السليم وقد يعيش العليل والله تعالي يقول: وماتدري نفس ماذا تكسب غدا وماتدري نفس بأي أرض تموت.
فامض ياصديقي في حياتك واستكمل علاجك وعش بالأمل في رحمة الله الواسعة وأعمل بنصيحة محرر هذا الباب ففيها كل الخير إن شاء الله وإنني أدعو أصدقاء ««بريد الجمعة»» للدعاء لك في هذا الشهر الكريم.. فالله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه وقد أمرنا الله تعالي بالدعاء ووعدنا بالإجابة وقال ربكم أدعوني استجب لكم.. والله معك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
ويخلق ما لاتعلمون صدق الله العظيم.. أكانت تتصور هذه السيدة وهي مهمومة بأمر مرضها وعلاجها.. أن هذه المحنة المرضية نفسها هي مقدمة الإذن الإلهي لها بأن تحمل بعد طول انتظار وتنجب طفلا صحيحا معافي.. ثم تحمل مرة أخري ويضاعف لها ربها العطاء ضعفين فتشفي من مرضها بأمره وترزق بطفل آخر سليم وتبرأ من آلام الروماتويد المزمنة.. وتتحرك بإذن ربها حرة طليقة من قيود المرض والألم والعناء.. أوليست هذه هي الألطاف الإلهية التي تقول لنا في بعض الأحيان ماالحزن إلا مقدمة للسرر وأن من صبر واحتسب واستمسك بإيمانه بربه وتعلق قلبه بالأمل الدائم في رحمته التي وسعت كل شيء سبحانه له حسن المآل؟
إنني أشكرك علي هذه الرسالة الجميلة التي تفوح بعطر الإيمان وعبق الأمل وتحمل البشري لكل مهموم بأمره فما يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون.. وأرجو أن يشاركك الأمنيات الخيرة للشاب كاتب رسالة قسوة الكلمات, وللسيدة الفضلي بطلة هذه القصة الجميلة ولكل من يتطلعون إلي السماء بقلوبهم وأنظارهم ينتظرون البشري بانكشاف الغمة.. وتفريج الكروب.. والسلام.
ليست هناك تعليقات