مشكلة التمييز في معاملة الأبناء وتفضيل بعضهم على بعض من أكثر المشكلات التي تضر بالصحة النفسية للطفل، والتي تستمر معه طوال حياته، وقد ح...
مشكلة التمييز في معاملة الأبناء وتفضيل بعضهم على بعض من أكثر المشكلات التي تضر بالصحة النفسية للطفل، والتي تستمر معه طوال حياته، وقد حذرت الدراسات التربوية من تمييز الآباء والأمهات بين أبنائهم، تفاديا لتلك الآثار السلبية الملحوظة، والتي تحدث رغما عنا، سواء أكان التمييز متعمدا أو بشكل عفوي.
وما زالت الكثير من الأسر تمارس التمييز بين الأولاد لأسباب مختلفة، حتى إن العديد من الدراسات النفسية رصدت الآثار المدمرة لهذه الظاهرة.
ويؤكد د. هاني عوض اختصاصي طب الأطفال أن التمييز بين الأولاد لا يقتصر على بلد أو جنس دون آخر، فهي مشكلة عالمية تحدث على الرغم من زيادة الوعي بالآثار النفسية لهذا السلوك.
تعاسة الطفل المفضل!
وقد يتصور البعض أن الضرر النفسي من التمييز بين الإخوة لا يصيب الأطفال المفضلين، ولكن الدراسات أثبتت أنه يطال الجميع، فقد خلصتدراسة كندية طويلة إلى أن معاملة أحد الأطفال بشكل سلبي وتمييز طفل عن آخر لا ينعكس سلبا على الطفل الذي يعامل بشكل سيء فقط، لكن آثارها تمتد حتى بقية أطفال الأسرة، ورصدت الدراسة كذلك أن الآباء الذين يتعرضون لضغوط نفسية هم في الأغلب يميلون إلى معاملة الأطفال بشكل مميز.
والجديد الذي أثبتته الدراسة هو امتداد التأثير السلبي على الأطفال الذين يُظن أنهم يستفيدون من التمييز، بعد أن كانت معظم الدراسات السابقة تركز فقط على الأثر السلبي للمعاملة المختلفة على الطفل الذي يعاني من التمييز.
ونصح عوض الآباء والمربين بضرورة أن يستوعبوا أن لكل طفل شخصية تختلف عن الآخر وليس بالضرورة أن يكون الإخوة متشابهي الطباع وأن اختلاف الشخصية لا يجب أن يترتب عليه تمييز في المعاملة، وعلى سبيل المثال في حالة وجود طفل هادئ الطباع وآخر موفور النشاط يمكن للأم أن تتفهم طبيعة الاختلاف ولا تعاقب الطفل موفور النشاط إلا في حالة فعل الخطأ (بمعنى أن لا يتم عقابه لمجرد أنه كثير الحركة أو الكلام مقارنة بالطفل الآخر)، ويتحتم على الأم أن تظهر الحنان والرعاية بنفس القدر من التساوي لكل أطفالها، وأن لا تلجأ إلى أسلوب المقارنة باستمرار حتى ولو على سبيل التحفيز (مثل مقارنة الأداء الدراسي لطفل بالنسبة للأخ الآخر).
الاعتماد على الأخ الأكبر
تقول الاستشارية التربوية آية العزب إن إلقاء مسئولية الإخوة الصغار على الأخ الأكبر نيابة عن الأب الغائب ظنًا أن ذلك يجعله رجلا حقيقيا، قد يؤدي إلى كراهية من الصغار للكبير، نتيجة "التفرقة السلبية".
وأضافت أن إلقاء المسئولية على الأخت الكبرى يكون دائما على حساب طفولتها، وحذرت من تدليل البنت الصغرى دون أخواتها لما لذلك من أثر سلبي وتكريس للغيرة لدى البنات.
وفي هذا الصدد يشير خبراء التربية إلى ظهور بعض العلامات على سلوك الأبناء الذين يعانون من الآثار السلبية للتفرقة بينهم وبين إخوانهم، تلك العلامات تكون بمثابة جرس إنذار للآباء والأمهات ليتنبهوا إلى ضرورة مراجعة أسلوب التربية المتبع.
وبطبيعة الحال يسود في مجتمعاتنا العربية خصوصا اعتقاد بأن مشاركة الابن الأكبر أو البنت الكبرى في مسئولية الصغار نوع من التربية الصارمة التي تجعل منهم أشخاصًا ناجحين يعتمد عليهم في المستقبل، لكن أهل الاختصاص ينصحون بالعدل بين الأبناء في المعاملة بصفة عامة مع مراعاة الفروق العمرية والإدراكية.
الدكتور حسن مصطفى المدرس بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان يشير إلى أن الأخ الذي يحظى بالتمييز الإيجابي ينتابه الشعور بالذنب جراء التعامل غير العادل.
ولفت إلى أن الأمهات اللواتي يعانين أصلا من ضغوط نفسية لا يتحلين بالصبر الكافي مع الأطفال المشاغبين، ويسارعن إلى استخدام الصراخ والإيذاء البدني ضد الأطفال، ويعتمدن على التفضيل والمقارنات بين الأبناء، مما يؤدي إلى آثار سلبية طويلة المدى، لعل أبرزها الغيرة والحقد بين الأبناء، وغياب روح التعاون والمحبة والإيثار فيما بينهم.
تفضيل الذكور
ولعل من أبرز صور التفرقة تفضيل الذكور في الاهتمام والعطايا المادية والمعنوية، وخاصة إذا رُزقت الأسرة بطفل ذكر وحيد بين أخوات بنات، حيث يُبدي الأبوان تقديرًا مبالغًا وحرصًا شديدًا عليه، فيتولد لدى البنات إحساس بالظلم والدونية.
ومن الصور الشائعة للتفرقة بين الذكور والإناث أن الولد إذا أساء إلى أخته فإن الأهل يتغاضون ولا يهتمون بالأمر، بينما إساءتها إليه تقع عندهم موقعًا شديدًا، فيعاقبون ويحذرون.. مما يُجذّر لديها الإحساس بهوان كرامتها.
وتأثير هذه التفرقة وإن كان يضر بالبنت، إلا أن ضرره على الولد أشد، لأنه ينشأ على الدلال، ويتعود أن يرعاه من حوله ويتفانون في حمايته وإسعاده، في الوقت الذي كان لزامًا أن يُربى على أن يهتم بوالديه، ويُقدر أخواته، ليكون سندًا لهن في الحياة.
ميراث المحبة
يحرص الآباء والأمهات على أن يتركوا لأبنائهم من بعدهم ميراثًا يستغنون به عن الناس، ولكن الميراث الأصلح هو أن يتركوا لهم محبتهم لبعضهم البعض، والتراحم والاحترام المتبادل بينهم كإخوة، فتعاونهم وتعاضدهم ومحبتهم خير لهم من كنوز الأرض، وكلها أمور لا تتأتى إلا بالتنشئة العادلة.
ليست هناك تعليقات